الثلاثاء، 29 مايو 2007

كان ...ياما كان


كان في بلد عدد ظلاله أقل من عدد أشخاصه‏.‏‏-‏ لماذا؟‏-‏ لأن نصف الناس كانوا يولدون بلا ظل‏.‏‏-‏ وكيف كانوا وهم بلا ظل؟‏-‏ كانوا طائشين‏-‏ وما معني طائشين؟‏-‏ يفكرون قليلا في الأشياء‏-‏ أية أشياء؟‏-‏ كل الأشياء‏,‏ تغلق الأبواب علي أصابعهم‏..‏ يلسعون ألسنتهم بالشوربة عندما يأكلون يتركون الحنفيات مفتوحة ويفكون رباط الحذاء‏.‏‏-‏ وهل يتبولون في السرير؟‏-‏ نعم‏-‏ وماذا حدث؟‏-‏ قررت حكومة هذا البلد تقسيم الظلال الموجودة إلي أنصاف ظلال وإعادة توزيعها علي المواطنين بالقرعة‏,‏ ليمتلك كل مواطن نصف ظل‏.‏‏-‏ وماذا حدث بعد ذلك؟‏-‏ حسنا‏,‏ سار الناس في الشوارع بنصف الظل الذي منحته لهم الحكومة لكن ذات يوم كان هناك شخصان يتجولان في حديقة ويسير خلف كل منهما نصف ظله‏,‏ وعندما دفعهما شيء للتوقف‏,‏ انتبها أن نصف ظل كل منهما التقي نصفه الآخر الأصلي بالمصادفة‏,‏ فالتحما‏,‏ ولم يعد ممكنا فصلهما أبدا‏,‏ وقد حدث توافق بين صاحبي نصفي الظلين‏,‏ وكانا رجلا وامرأة وتزوجا‏.‏منذ ذلك الحين بدأت كل أنصاف الظلال الموجودة في البلدة رحلة البحث عن نصفها الآخر وهي تسحب وراءها الأشخاص أنفسهم‏,‏ وهكذا صارت الظلال تسيطر علي العالم كله‏,‏ وعندما كان يلتقي نصف ظل مع نصفه الآخر كان أصحاب الظل يلتقيان أيضا دون ان تكون لديهم أية فرصة للاختيار‏,‏ لقد وقعوا جميعا تحت سلطة الظل‏,‏ كان هناك زواج بعقد وزواج بفسخ ليس استجابة لرغبة الجسد وإنما استجابة لرغبة الظل‏..‏ أصبح الأفراد جزءا فقط من الظل‏,‏ كانت ظلال السياسة هي التي تحكم البلد‏,‏ بينما ظلال المدرسين تشرح الدروس في المدارس لظلال التلاميذ‏,‏ وكانت ظلال رجال الشرطة تطارد ظلال المجرمين التي حكمت عليهم ظلال القضاة بالسجن‏,‏ وكانت ظلال الأطباء تعالج ظلال المرضي‏,‏ وفي الأسواق كانت تباع ظلال اللحم وظلال السمك وظلال الخبز إلي ظلال الزبائن‏,‏ وبما أن الظلال تعشق الظلام‏,‏ رويدا رويدا حرموا في هذا البلد كل مظاهر النور بداية من المصابيح ومرورا بالشمع‏,‏ ثم حرموا بعد ذلك ضوء الشمس‏,‏ وتحول المكان إلي ظل ضخم.‏